الخميس، 20 أغسطس 2009

حــرية التعـ......بير


وأنا أتصفح موقعي وجدت دعوة للتضامن من أجل حرية التعبير في العراق قبلتها وتضامنت معها كغيري وضحكت من كل قلبي وهي حالة نادرة لكنها لم تكن من الفرح بالحرية بل من سماجة الموقف وضحالة الواقع ونتانة رائحة الكذب التي تزكمنا منذ وعينا على الحياة في بلد المهاترات الأول ...
القصة ببساطة صحفي يكتب موضوع ضد جهة متنفذة في الدولة ويوقف عن العمل من قبل مؤسسته الصحفية الحكومية أو التي تجاهد لتبدو غير حكومية دون جدوى لو أن القضية مجردة هكذا لكانت أكثر عادية من العادي لكن وهنا القضية ...
هنالك جملة علامات شك واستفهام لا تقبل الدحض ..
أولاً إن السنة سنة فاصلة للانتخابات ومن يفوز سيبقى أربع سنين عجاف يشفط من نفط وفحط العراق والعراقيين والصراع على أشده وهو كما اعتدنا عليه صراع غير شريف لمصالح و أهداف غير شريفة والمتصارعون يحتلون كراسي السلطة ويرهنون كل مقدرات البلد ومصائر الشعب في هذه اللعبة وكأنها تركة أجدادهم لاحسي الأحذية ..
ثانياً أي حرية يتحدثون عنها متى وأين وكيف جاءتنا وعلى أي بعير أعور وبيد أي عاهر شمطاء تحمل مصاحف الصحراء اليابسة النتنة لتبيد حلماً حضارياً طالما وئد وتمرغ في الدم ...
ما الحرية في العراق سوى حجر افتراضي في الأفواه مثل ما يقولون خرزة عن الطنطل والطنطل معروف من هو هنا ...
ثالثاً من عاش مأساة العراق والعراقيين وواقعهم المر منذ التغيير الفاشل وخبر لعبة فرق الموت الحزبية الميليشياوية الإسلاماوية الديمقراطاوية الشوفينياوية يعرف حق المعرفة ما هو مصير من يمس هذا الحزب أو ذاك أو أحد جلاوزته بكلمة أو يفضحهم في شروى نقير أو أو أو والى آخر التجاوزات على حرمة السماء والطارق ... فما الذي حرى بصديقنا الصحفي الحر لهذا الموقف الوطني الإسلامي الشرعي الحوزوي اللاستيكي ....؟
دون أن تكون هناك جهة منتفعة تقف خلفه من وراء حجاب تبعد عنه شبح المقبرة أو كومة الأزبال في الأحرى كما كان مصير الأقلام الشريفة التي صدقت خدعة حرية التعبير أو أقنعت نفسها لا فرق فالمصير واحد ....
رابعاً من يكون هذا الصحفي الشجاع الذي تحدى المصائب وتحدى الصعاب مثل عدنان صاحب لينا ولم يأبه لشماتة الأعداء ولا للوظيفة المرموقة من سنوات في عش اللقلق ...
هو كما تعلمون صحفي مناضل معارض كان يعمل في صحيفة نداء الرافدين التي كانت تصدر في سوريا عن المجلس العلوي للثورة العلوية والباقي معروف وكان بيان ابن جبر آل صولاغ يوزع بعض أعدادها العصريات على البايسكل مثل حلال المشاكل ...
خامساً هل اكتشف صديقنا الوطني بعد كل هذه السنين في الخدمة والورع والتقوى أن أسياده هم مجرد قتلة ولصوص ..؟ وأي كهف كان ينام فيه قبل أن يبعث الله بجبرائيل ليقرأ عليه الحقيقة ويرسله رحمة للشعب ومبشراً ونذيراً...؟
وهل كنت تعتقد أيها الهمام أن من يسرق حبيبات الحنطة المنذورة لحمام الحضرة ليتسممها يتورع عن سرقة الملايين والمليارات من دولارات العراق ...؟
وهل كان الضحايا الثمانية من المبشرين بالجنة لتتم صحوتك العاتية على أيديهم فيما كان مئات آلاف الشهداء الأبرياء طوال سنين الذبح من أبناء القحبة ولم تكن لهم حوبة...؟
وهل الكم مليون التي سرقت كانت أول وأكبر وأعظم سرقات العراق التاريخية لتهتز شواربك الإفتراضية وتجرد فقارك وتطيح برؤوس اللصوص القتلة ...؟
سادساً أليس غريباً التركيز في المقال على الإنتخابات وبطانياتها فنراه يطير قليلا ويكب على وجهه في وسط البطانيات ... وهل كانت هذه الجهة السياسية التي كان يخدمها وحدها التقتل والتسرق والتوزع بطانيات الإنتخابات واكياس الرز والحمص والملابس الرخيصة على من افقرت وهجرت ورملت وأثكلت ويتمت بعد أداء يمين العباس ...؟
سابعاً هل تستغربون التحولات والتقلبات وتبديل الجلود بسرعة البرق وفق سبحان مغير الأحوال من محتال لمحتال ولا أقول كلمة أخرى على نفس الوزن والقافية اتركها لمن يحب التعبير بها .. لا أعتقد ان هنالك مجال للاستغراب خصوصاً في الوسط الصحفي أو ما يسمى بالوسط الصحفي الذي يمشي وفق قاعدة الذي ((ينكح أمنا يصير عمنا)) وللذي يلعب جيبه تشتغل حملات الدعارة وينشط قواديها بهوياتهم الصحفية وتنحني الهامات التي تعودت الإنحناء والركوع والسجود للسحت وورقه الملطخ بدم العراقيين المغضوب عليهم دائماً من غير ذنب ولا جريرة سوى انهم جاؤا للحياة في هذا البلد ...
ختاماً تهنئة من الأعماق للجهة الراعية للإعلان والتظاهرة ولعودة الصحفي الشجاع لمنصبه سالماً غانماً ولدجاج المزبلة من أحزاب الرخص التي ما صدقت وطلعت تعمل دعايات على حس الطبل ... وعميق مواساتنا وحزننا وألمنا عليك ياعراق ..
وما تزال ميلودي تتحدى الملل
وعاشت عزيزة ...

الثلاثاء، 21 أبريل 2009

عندما يبيع العباس الدجاج...!


عجيبة هي الذاكرة الشعبية كم هي ذات قابلية نهمة للإختزان وللتقليب والتحوير والأسطرة وكم هي سهلة على الإحتيال والنصب لأنها تنساق ضمن خيوط العاطفة والفطرة والهواجس وخوف المجهول والعداء لكل ماهو جديد بدافع الشك والتردد واستسهال الواقع وتفضيله بكل سلبياته على الغد الطموح وتجربة التغيير ...
عندما تريد وصف انجاز عمل ما دون اتقان وبكل استسهال للموضوع فأنت تقول ((خبزته مثل خبز العباس)) دلالة عدم الأهتمام أو إيلاء الأهمية رغم المكانة والهيبة والخوف الذي تمثله شخصية كالعباس في الذاكرة والمخيلة الشعبية وماله من مكانة دينية وغيبية تصل حد الرعب أكثر من رب العالمين فترى المرء كان امرأة أو رجل قد يقسم بالله كذباً دون خوف لكنه يموت من الرعب قبل التفكير بالقسم بالعباس .... إزدواجية عراقية مميزة وماركة مسجلة وبامتياز ....
والخبز هنا نذر قد يخلط عجينه باللحم او يلف به كباب البيت العراقي ويوزع بشكل لفّـــات مع الفجل أو الخضار عادة , نوع من تبادل الكرم وتكافل بسيط غير مكلف يسعد الناس ويعزز أواصر الجيرة بينهم لو تتبعناه لوجدنا جذوره تمتد عميقاً قبل أن يكون هناك العباس وقبل ولادة الآلهة والأديان .. تلك امتدادات خفية من تراث ولاوعي وميثولوجيا ماتزال تنبض في باطن أديم الفراتين العتيق ....
وأنت تدخل مابين الحسين والعباس مابين الأخ والأخ مابين الناهض والناصر مابين المسلوب في حياته والمسلوب بعد حياته مابين من استغل اسمه أصحاب المطامع وطلاب السلطة دون استحقاق من نهبوا باسمه خيرات وحياة ومستقبل وأعراض بلاد عريقة ولم تسلم من أيديهم النهمة للحرام حتى القبور لا لشيء سوى عقوق الأرض التي آوتهم وآبائهم بعد تشرد وكستهم بعد عري وأشبعتهم حد التخمة بعد جوع مدقع .. وأنت تدخل بين حنايا هذا الفضاء المشحون بالعواطف الفطرية السهلة الخداع والإستغلال على مر العصور تلاقيك لافته تعلن عن ماركة دجاج يتبناها ويدعمها ويبيعها ويسوق لها العباس ..أليس أمراً غريباً ؟؟؟؟
تتساءل من الوهلة الأولى ما علاقة العباس بالدجاج هل هذا من نتائج الضربة التي تلقاها الدين بعد صعود من يدعي التدين ويتبنى الفكر الديني ليس في انتخابات وإنما في الشارع الذي أصبح يقرف ويتقزز من ذكر أي شيء يمت لهذه المنطقة المتعفنة حتى النخاع منطقة اللاحرمات واللانزاهة واللاحياء واللاضمير واللاشرف واللاوطنية وقبل كل ذلك اللاإنسانية .... هل هي من نتائج الأزمة المالية العالمية التي قلبت حال الدنيا وكانت مثل الثورات والتغييرات السياسية الإنقلابية الحزبية الدينية الفنطازية حيث يزداد بعدها الأغنياء غنى والأغبياء غباء والفقراء فقراً والقوادون عملاً ومناصب ... سيرة حياة لبلاد لا أمل في أن يطلع عليها نهار حقيقي.
إن انتقالة كهذه ليست جديدة لمن يدرس قضية شائكة ويكتشف خباياها الموغلة في التخفي و الاندساس وهي موجود يظهر ويعبر عن مفاهيمه ويعلن عن تمددات أجنحته الخفاشية مدعياً ومتناسباً طردياً مع ارتفاع مستوى الرفاهية لمجتمع اللصوص ومزوري الشهادات ومدعي السياسة والثقافة والفن وأخيراً وليس آخراً الدين لتثقل جيوبهم بالسحت الحرام وباللقم المسروقة علناً من أفواه الجائعين سكان بلاد مابين القهرين بلد البترول الأول .. أليس البترول كلمة عار ؟؟؟؟ فكروا بها جيداً ..!
قلنا هو تناسب طردي مع ارتفاع مستوى الرفاهية الحديثة المكتسبة عبر مهاترات مدعي السياسة ومدعي الثقافة ومدعي الفن والتي كان لها قصب السبق مهاترات مدعي الدين التي فتحت أبواب البلاءات التي لا تنتهي على شعب بائس في بحبوحة العز جائع وسط أكوام الذهب غارق في حزن لا أول له ولا آخر في بيئة أفضل ماتكون للسعادة يرى العالم بعين الريبة والخوف والتردد والشك وحتى الحسد والغبطة على وليس من رغم أن يغبطهم لا يصلون لو فجروا أنفسهم كما تفعل كلاب الجوار والدنيا وحثالتها في بلادنا لن يصلوا إلى شعرة مما يملك أو يمتلك أو يختزن أو يقدر أو يحب أو يطمح أو يتمنى أو يتعامل أو أو أو ....... إلى أين تنتهي تأوهاتك يا وطن ؟؟؟
إن الإنتقال من تجارة الخبز إلى تجارة الدجاج خطوة عملاقة نحو الغد المشرق الذي يرفل فيه كل مواطن بدجاجة برازيلية مختوم على مؤخرتها عبارة (( آخر المطاف )) كانتقال لص الخبز بطريقة دارونية إلى لص دجاج على طريقة الدبل كك البرازيلة المتشقلبة .. وبالمناسبة هي عملية شراكة في حقيقتها تمارسها الجهات الدينية عندما تستفلس وتتساقط أسنانها الفتاكة عندما ينفد اللحم وتصطدم بعظام الكادحين الى ربهم كدحاً شديداً .... فتلجأ للدخول كشريك في منتجات يجري تحريمها كالسكائر واللحوم والبيض والسمك والحليب والجبن والآيس كريم والعطور ومواد التجميل والفواكه والمشروبات الغازية وغير الغازية وحتى الخادمات مقابل صك تحلل فيه هذه البضاعة أو تلك وعند اللزوم تزود بصك لتحريم بضاعة منافسة وباتفاق آخر وفي حال عدم تعاون طرف ما تاجرجملة مع هذه الجهات المتدينة وخصوصاً في زمن الحرية والديمقراطية المنغولية التي منت علينا أميركا جل جلالها وصحابتها جيران السوء فقد خرجت تلك الجهات من دعوتها السرية إلى العلنية وبدأت تستخدم العبوات والقاذفات والهاونات وتحرق الأسواق الكبرى وأسواق الجملة وحتى المصارف أو تقوم بمساعدة أدوات مافيتها الكاوبوية بالسطو عليها , وفي عصر العولمة هذا انفتحت طرق التواصل والتنقل على كل من يملك المال وأصبحت المراكز الإسلاموية هنا وهناك تدس أنفها في كل صغيرة وكبيرة كضباع نهمة ربما هي القاعدة التأريخية لهكذا طبقة طفيلية مريضة ممرضة لا تستطيع الخروج من جلدها الإستجدائي وصدق المثل الشعبي الدارج الذي يقول (( تموت الدجاجة وعينها على كوم الزبل)) ...
وبمناسبة الحديث عن جمعيات الزبل ..عفواً للسهو, فهذه الجمعيات تتوالد وتتكاثر منذ أمد في وسط لاهوتي تحريمي تحليلي جامع لكل مزايا القولبة الفرهودية المحتالة على عقول ساذجة مخدرة , والدافع المعتاد في هكذا أمور هو الإثراء بطرق غير مشروعة إن لم أكن واهماً وكانت طرق الخداع والمتاجرة بقيم الدين ماتزال طرقاً غير شريفة للكسب وأشياء أخرى...
وطرق سمعي بشكل لا إرادي ثم إرادي جواب أحد دهاقنة الدجاج البرازيلي ولنسميه الشيخ رونالدينهو وهو يعطي أسعار الدجاج قبل التحليل وبعد التحليل ويعرض خدمات المساعدة ونجدة القوم الغارقين في ظلال الطعام وكيف يمكنه مدهم بممثلين ومندوبين إلهيين من قبله يكونوا نواباً عنه في هذه الحرب الدينية المليئة برائحة البراز (كما كانت حروب الكنيسة نتنة بروائح الدم البشري الزنخة ودخان الشواء ) لو فتحوا مصنعاً أو مركزاً دجاجياً ليس لتعليم الدجاج الصلاة أو الصوم بل لتعليمها كيف تذبح على الطريقة الإسلاموية كما علموا الناس كيف تفعل ببعضها البعض وبنجاح ساحق ونتاجهم مجازر العراق الزرقاوية والخضراوية والحمراوية والصفراوية والسودابيضاوية ... بالسيف أو بالمفخخ أو بالعبوة أو بالمثقاب أو كما هي لهم نهاية مرئية لها سوابق انتهت وبالقندرة ....
لو تناولنا الموضوع من وجهة نظر اجتماعية مكانية دينية وما تضفيه من مصطلحات وأجواء لوجدنا واكتشفنا حقائق مذهلة وبسيطة في نفس الوقت ولزالت كل أو أغلب علامات تعجبنا .. إن السر يكمن في البيئة الدينية المنغلقة التي تؤدلج كل شيء وتضع كل تصرف تحت سيطرة نزعاتها التسلطية الفجة والمريضة وما تنتج هذه الأجواء من أناس مسيرين في سياق مجير ومحدد لا يقبل النقاش ولا الجدل لأن ذلك سيدخل ضمن نطاق المعصية والشك فيما لا شك فيه وهنا يبرز الكفر كتنين بثلاثة رؤوس يحرق الصابئين عن دين آبائهم المخدرين بأفيون لا قومة من نومته ومن يتجرأ على التفكير في التغيير سيستجلب له ولأهله الويل والثبور وعظام القبور وسيكون مصيره في الدنيا على ايدي جلاوزة هذه المؤسسة المنتفعة أسود من وحش (الطاوة) قبل أن يدخل الفرن في الآخرة ويصبح (تبسي) ...
هكذا بيئة وفق الدراسة الإجتماعية لابد تنتج مجتمعا غير منتج يعيش وفق نظام إقتصادي مشوه لا يرتكز على قاعدة تجارية أو صناعية وإنما حالة من هذه وتلك مهجنة مثلما تهجن الخيل والحمير لأنتاج بغل يعمل( زمال شغل ) لكنه عقيم وعقيم بدرجة الإمتياز ومن المصنع ... والعاقل يفهم !!!
كل عمل خطط له ليكون مرتبط بأساطيرهم الغيبية لتجتمع الخيوط بيد واحدة مؤسساتية مسيطرة تحرك الجميع متى شاءت وتشلهم متى أرادت وعليهم تنطبق مقولة لهارون الرشيد :
أيتها الغمامة .. اذهبي حيث شئتِ ,فإن خراجك عائد إلي
إنها شهية السيطرة وشهوة الاستلاب ترتدي أحدث الأقمشة وتركب آخر ماركات السيارات العالمية وتتملك في أحدث المدن والمنتجعات وتشتري برجاً هنا وقارباً فخماً هناك لكن جوهرها ما زال ينتمي بكل كيانه لعصر الكهوف بكامل جهله وتوحشه ونزواته وسوداويته ...
وسواء باع العباس الدجاج أم باع الدجاج العباس فلن تكون أول عملية بيع تشهدها مساحتنا التراثية المتدينة ولن تكون آخرها فلطالما باع المتسلقون والوصوليون وشذاذ الآفاق واشتروا بمصائر الشعوب ودماء الشهداء ....

الاثنين، 2 فبراير 2009

فن ونقد وحشيش


لطالما شغل بالي سؤال وأنا أقرأ كتابات نقادنا التشكيليين العظام , عن الخلطة والسلطة السحرية التي يتناولونها قبل الشروع في الكتابة وفي النهاية وبعد قراءة العديد من هذه الكتابات( النقدية ) وصلت إلى الجواب وكان و بكل بساطة.. أنهم يتناولون ذات النقد الذي يكتبونه..!إننا لو قارنا بين الكتابات الخاصة بالفن والنقد وفلسفة الجمال و … التي وثقت الحركة الفنية التشكيلية خاصة في أوربا والغرب , وبين الكتابات ذاتها التي لدينا لوجدنا فرقا شاسعا بينهما ولأكون صادقا ودقيقا أقول لا يوجد أي وجه للمقارنة ..و حتى لا نكون منتقدين لأجل الانتقاد فقط بل لنحلل ونعطي الأسباب ونقدم الحلول..و لنبدأ بالذي يكتب ثم ما الذي يكتب ؟ وعلى أية قاعدة يستند في كتاباته ؟لو بحثنا في طبيعة من يكتب في مجال الفن, وأنا أتكلم بالخصوص عن الفن التشكيلي بالخصوص, لوجدناه احد الاحتمالات التالية: ــ1 ـــ كاتب أو شاعر 50%.2 ـــ صحفي 35%.3 ـــ مشروع فنان فاشل 10%.4 ـــ فنان 4ــ 5%.5 ــ ناقد فن متخصص 0ــ 1%.تغني هذه الإحصائية القريبة جدا من الواقع إن لم يكن أتعس من ذلك , عن أي تفصيل وشرح لهذا الجانب حالياً..لو تساءلنا عن المواصفات الواجب توفرها في الكاتب المتخصص في الفن والتشكيل خصوصا و ماهي المجالات العلمية الواجب الإلمام بجانب مهم منها والثقافة الفنية التي يجب أن يمتلكها ليخوض هذه التجربة الإبداعية , وسوف أعطيكم أسباب تسميتها بالإبداعية لاحقا ..إن من يكتب عن تجربة فنان ما أو عن عمل فني أو مدرسة فنية أو مرحلة فنية.. عليه أن يعيد اكتشاف العمل الإبداعي وان يجول بين عناصر ومكونات ومقومات العمل الفني تلك التي استند إليها مبدع هذا العمل وقراءة الشفرات الموجودة بين ثناياه.. و تحليل المسببات والنتائج ليدخل في سلسلة من التفاعلات النفسية والجمالية والإبداعية والتأثيرات البيئية والمجتمعية والتربوية وغيرها...لا نعتبر أنفسنا مبالغين بهذه السلسلة البحثية والتحليلية الطويلة ذلك أنها جميعاً تشكل البناء الفني والإبداعي للفنان وبالتالي فان كل جزء منها سيلعب دورا مؤثرا في العملية الإبداعية فالمنتج الإبداعي...أي أننا نكون إزاء فك أسرار العمل الفني كمن يقرا حروف أبجدية لغة ثم كلماتها فجملها وأخيراً تتضح المعاني وتفهم على مستوى عال من الوضوح.. إن من يكتب عندنا يستند في الأعم الأغلب إلى قاعدة لها أربع أرجل وهي على التوالي: ( الجهل .. الغموض.. الكذب.. التلاعب بالألفاظ ) ..أغلب الذي يكتبون في الفن يجهلون تاريخ الفن ويجهلون معنى الفن نفسه ولا يمتلكون أية ثقافة فنية أو خبرة أو احتكاك حقيقي في بالمجال والوسط الفني وبالتالي يلجئون إلى الغموض ليغطوا هذا الجهل وحتى يعطي رأيه في فنان أو لوحة أو غيرها, ولأسباب متعددة سنناقشها في موضوع لاحق , سوف يتبجح بأي رأي يخدم توجه موضوعه فيرفع من شان أمر تافه هنا ويسبغ التعابير الفنية والألقاب على عمل لا علاقة له بالفن وهكذا ... وحتى يؤطر هذا المقال الفني المبتدع فسيغرقه في بحر من الألفاظ الحلزونية تتناثر ككرات مطاطية لا تستقر في مكان أو على وجه محدد .. وبالتالي ينتج لدينا موضوع يعكس صورة غير مفهومة للقراء بجميع مشاربهم وحتى الطبقة المثقفة والفنانين أنفسهم , ولسان حاله يقول : أنا أملك علما يفوق مدارك البشر لأنني أتكلم لغة لا يفك رموزها حتى أهل المريخ وسوف لن يكون الفنان فنانا ما لم أباركه بقلمي الذي لا يكتب بالحبر بل بالخمور الباهظة الثمن ورائحة الأوراق الخضر .. أما من يمكن أن نطلق عليهم اسم نقاد وهم من الذين يمتلكون 30)ـــ40%) فصاعدا من مقومات وإمكانات الناقد المتمكن من أدواته فقد سلكوا جانبا واحدا ومجتزئا من أوجه الكتابة الفنية وبدءوا يتفلسفون به جيئتاً وذهابا وأكثروا من الحشو مما أفقد النهج وبالتالي المادة الفنية أهميتها ودورها ثم أثرها .. وأصبحت كالمدائح والاستعراضات الصورية واللغوية الفقيرة التي يحصل منها القارئ على ضالتهمن معلومة ثقافية أو فنية تنمي ذائقته الفنية والجمالية أو تضفي عليه سحرا ينعش مخيلته بشكل يجعله يقرا الموضوع عدة مرات دون أن يفقد عنصر المتعة والاكتشاف في هذا المنتج الإبداعي ..هذا إن لم يسحبك إلى عالم السياسة والأحزاب والتيارات المتصارعة ودور الحزب والفكر الفلاني أو الشخصية الخارقة للعادة و التي ألهمت الفنانين والمبدعين و قلبتهم إلى كائنات ثورية جهنمية تتفجر فرشهم قنابل وتنطلق من لوحاتهم وإعمالهم الصواريخ وووو.... وإلى ذلك من الكتابات التعبوية الفارغة الموجهة والتي تحسب وحسبت ظلما على هذا المجال المهم والحساس والمبدع والمعقد في ذات الوقت...وقد شهدنا في مراحل سابقة أناس مثلوا هذه الظاهرة وحتى أيامنا هذه حيث تمتلئ الصحف والمجلات التي نتعثر بها .. لقد وجدوا مساحات وأماكن شاغرة لسبب ما فشغلوها بطرق متعددة من الأبواب المصطنعة أو الشبابيك الخالية من الزجاج ليطرحوا أنفسهم نقادا ومحللين وباحثين في الفن وهم لا يعدون سوى طارئين شكلوا قاعدة وهم شواذ......... .

الأحد، 25 يناير 2009

ثقافة بين سيفين


إن المتتبع للمشهد الثقافي العراقي يقع في حيرة مشروعة بين من يرفعون شعارات الثقافة الحرة ممن قرروا الخوض في مجاهل السياسة وتركوا لأمواجها أن تتقاذف مصائرهم بعد أن وقعوا عن سابق إصرار تنازلاَ عن حرية القلم واللسان والفكر وألقوا جانباَ أعباء وهموم الثقافة العراقية وطموحات وطن طالما تطلع نحو الشمس حتى كاد نور عيونه أن يذهب ألماَ وبكاءاَ مراَ , دون تردد وبقلب ميت يشبه قلوب الساسة الذين تعهدوا أن لا تحس ولا تخفق لمآسي الإنسان والوطن العراقي الذي تمتد جراحه كخطوط عرض وطول من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب ,وبين أدعياء الثقافة ممن شاء القدر الظالم أن تستهويهم ميادينها لتكون مسارح لهوهم ومجونهم ليتسلطوا على رقاب المفكرين والكتاب والشعراء والفنانين وينفسوا عن عقد متأصلة في ذاتهم المريضة مستندين على أناس محسوبين على الوسط الثقافي والفني ليكونوا الطعم والسكين الذي ينحر سنين من البناء والمعاناة والجهد الوطني الشريف البعيد عن طلب المكاسب والمناصب , في أكبر مجزرة ترتكب بحق الفكر الإنساني الأصيل والمستمرة منذ سنين وبأدوات وأشكال متعددة ... لكن ومع كل ذلك ورغم كل ذلك نقول : إن الثقافة العراقية إكتسبت عبر تأريخها الممتد شرايين متدفقة في جسد الحضارة الإنسانية , قدرة على إنتقاء الفكر المبدع واحتضانه ورمي كل طفيلي طارئ الى مكبات لفت أمثلهم عبر العصور ...وإن من يركض وراء السراب آيل الى إستنزاف آخر قطرة من حبر كرامته , وأن من يغريه بريق خيوط عنكبوت التبعية سيقع عاجلاَ أم آجلا في فخ إبتلع الكثيرين قبله ولم يترك منهم حتى العظام , وأن من يهوى التطبيل والتزمير لعهر السياسة ستتقطع أصابعه بشفرات عياريها وتتساقط أسنانه إن لم يكن من لكمة ضلت طريقها فمن الشيخوخة المبكرة والسريعة التي تصيب حصراَ من يعمل في مجالات (تثقفية) كهذه ...ويبقى صاحب الفنار ساهراً على مشعله حاملاً أعباء الماضي والحاضر والمستقبل يرشد الساعين الى الحقيقة بكل نكران ذات ودون كلل مثل رواد التأريخ الأوائل الذين حملوا لواء المجد الأول وتذوقوا لذة الخلود وجمر الساهرين ... وأخيراً يجب أن ننبه الى حقيقة أن القلم عندما يترك صاحبه إنما هو كما الشرف إن فقد لا يعود أبداًَ .....

القطط والأسماك


قبل مدة ليست بالبعيدة أتحفنا بفتوى جديدة تحرم أكل السمك النهري العراقي وتستثني السمك الذي ينبت في أعالي الجبال ومن اشتهى أكلة سمك ولم يستطع صعود الجبال فليتجه إلى المستورد وأمره إلى الله ...لقد اعتاد العراقيون على هكذا أطروحات فلسفية تخرج بين الحين والآخر يأخذ بها البعض والبعض الآخر يتندر بها لكن كثيرا منهم لم ينظروا إليها من خارج إطار الفتوى ونادرا ما تطرح على بساط البحث والتحليل حتى فيما بينه وبين نفسه ..ولو أننا أخذناها وأضفناها إلى سلسلة الفتاوى المشابهة المتراكمة على فترات متباعدة والتي أصبحت جزءاً من التراث السلوكي والهضمي ومن العادات والتقاليد وأيدت وأسندت بآيات وأحاديث وسنن وأقوال وحكم لإعطائها المصداقية والقوة حتى تكتسب صفة الثبات في الأذهان وتصبح من المسلمات التي لا يفكر احد ولو بالشك فيها ولو أعدنا الزمن إلى الوراء وقابلنا بين مثل هذه الصكوك التحريمية وبين العهد والفترة الزمنية التي خرجت خلالها لوجدناها تصب في سياق العقلية التخاصمية التي لا يستطيع كثيرون العيش دون إدامة اشتعال نارها بين الحين والآخر حتى لا يخسروا التجارة الرابحة التي يعتاشون منها اقتداءاً بمن سبقهم ...إن هذه التجارة التخاصمية البغيضة وغير الشريفة حافظت على الانشقاقات داخل مجتمعاتنا وعملت على تعميقها يوما بعد يوم بوسائل وأساليب شتى وأثارت عبرها حروبا وصراعات ومذابح حتى داخل المجتمعات الصغيرة ( المحلات ) ...وقد لعب ادوار البطولة فيها خلفاء وحاكمون بأمرهم ورجال دين يتكلمون باسم السماء , وقد طالت حرب التحريم هذه طيورا وأسماكاً وحيوانات أخر لا للحفاظ عليها من الانقراض لا سمح الله بل لأنها تكثر في مناطق الجانب المناوئ لهم حيث تعمل فيها الفتوى بحجة أو بأخرى لتحريم تناولها وبالتالي الإضرار بالفريق الآخر اقتصاديا ..لنعد للقول لماذا لا يحرم هؤلاء رمي الجثث في الأنهار وقبلها لماذا لا يحرموا قتل الناس بالأصل ولماذا لا يضغطون باتجاه كشف القاتل المجهول الذي يعمل سكينه في رقاب الجميع ؟ أليس ذلك الموضوع أهم من التحريمات وأمور أخرى من التفاهة وغير المشروعية رأيناهم جيشوا كل طاقاتهم لها ضمن حملات يمكن تسميتها بالمسعورة بامتياز ..؟ لماذا لا تضغط على الجهات المسؤولة لفضح الجهات والدول المسؤولة والممولة لآلة القتل هذه تمهيدا للاقتصاص منها ..؟بدل أن يجتمعوا هنا وهناك وبكل البهرجة الإعلامية والتكاليف الباهظة من طائرات وفنادق وإجراءات حماية ليوقعوا وثيقة شرف تحرم دم العراقيين لا يلتزم بها موقعوها أنفسهم أو يتوصلون إلى اكتشاف عظيم لا سابق له ألا وهو احترام إنسانية العراقيين حيث اكتشفوا أن العراقيين بشر فهنيئاً لنا ولهم النتائج الباهرة بعد التجارب المختبرية على ملايين العراقيين والتي أنتجت أكثر من مليوني ضحية وملايين الأيتام والأرامل والمهجرين داخل وخارج بلادهم والزاحفون تحت المطرقة العمياء ... لماذا لا يحرم أكل اللحم العراقي قبل تحريم أكل السمك العراقي يا حماة حقوق الحيوان وكأنه من بقية أهلكم ..؟هل أن قدر العراقيين أن تكون بطون الأسماك وهوام الأرض والسماء قبورا لهم بعد أن امتلأت الأرض بجثثهم حد التخمة , في حروب التحرير والتطهير القومية والإسلامية والوطنية في الكارون وشط العرب والخليج العربي ومحيطات الأرض وأخيراً في دجلة والفرات ...؟(لماذا يأكل لحومناالإخوان العرب والإخوان غير العربوالإخوان المسلمون والإخوان غير المسلمينوالإخوان غير الأخوان ..؟ ).......................(1)( لماذا يذبح العراقيون في كل الطرق...وعلى كل الطرق ..الصوفية والبوذية ...والمجوسية والعروبية ..وتتقاطع في لحومهم كل المدى ...وينحر تأريخهم ..من المدى إلى المدى ...؟ ) .......................(2)أليس لحم العراقيين أحق أن يحرَّم ...؟لكن والحق يقال أن الجميع ملتزمون بالشرع الذي حرم الميتة والدم ولحم الخنزير .. وليس العراقي من الخنازير ولا ممن يلتذ بدماء الناس فقد علم الدنيا معنى الحياة وليس العراقي بميت فهو الحي ذو الضمير الحي الذي أوجده الله في منطقة وعالم ماتت ضمائره منذ الأزل ...( ويحكم ...قدماي لم تغادرا صخرة المعراج ..لكي تسري جنازاتي ...من بوابة الخضر ..إلى أم الرصاص ) ............................. (3)لقد أصبح اللحم العراقي مطلوبا من الخليج إلى المحيط بعد أن تحول الساسة إلى مافيا تتاجر بالنفط العراقي وباللحم العراقي وبالدم العراقي وغدا بعظام العراقيين ..إن من المؤسف أن نرى مصائب بلادنا تأتي في أغلب الأحيان عندما يتحول رجل الدين إلى سياسي والسياسي إلى رجل دين عندما تقتضي المصلحة الشخصية والشخصية فقط .. في انتقالات كارثية كمنشار ضخم ينشر في جسد المجتمع والوطن ويمزقه بلا رحمة ...هذه الازدواجية لو تتخلص منها بلادنا لاختفت مشاكل وماس كثيرة وكبيرة , ولما كنا نعيش اليوم هذا الواقع المرير والمؤلم بكل تفاصيله ...وهذا يدفعنا إلى التساؤل والقول : لو كان ثمة قانون ودستور ومؤسسات نزيهة وسلطة قوية حازمة عادلة .. هل كانت هذه الأطراف تتجرا على لعب هذه الأدوار القذرة, وان حاولت أن تلعبها, فهل كانت ستفلت من العقاب.. إن هذه الأدوار عبارة عن مجموعات من الخيانات العظمى ومن النوع الثقيل والمكشوف والمفضوح والمحمي من قبل أدوات قمعية تتخذ الدين وتقاليد العنف والتآمر والكذب والفساد وسائل ناجحة في التأثير والعمل والاستمرارية منذ مئات السنين في بلد لم يعرف استقرارا حقيقيا عملت هي على استمرار هذا الحال مثلما يقول المثل الشعبي ( البزّون يكيِّف بعمى أهل الدار ) ...ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

جداريات للموت ... جداريات للحياة


كانت الجدران محل ولادة أولى الإشارات والرموز والرسوم التي استخدمها الإنسان الأول للتعبير عن مختلف الحالات النفسية التي كانت تعتريه وتشغل تفكيره وقدمها بشكل شعائري ديني , وذلك يرجع إلى التفسير البدائي الذي اتجه إليه ذلك الكائن لإعطاء إجاباتِ لكم كبير من الأسئلة التي ولدها هاجس الخوف لديه من قوى الطبيعة التي لم يكن يعلم ماهيتها ولا زمن وقوعها أو كيفية الوقاية منها ولا حتى الاستفادة منها , وصراعه مع الحيوانات المفترسة التي تفوقه قوة والمجاميع البشرية التي تنافسه على القوت والمكان .. ذلك لضآلة المعلومات والخبرات ومعاناته اليومية في الحصول على القوت عبر الصيد وجمع الثمار من النباتات المحيطة به قبل أن يتعلم الزراعة...فكانت جدران الكهوف الأولى مسرح عمليات صيده فصور مطاردة وقتل الجاموس والخيول البرية والماموث العملاق كما صور الرقص الديني والتكاثري ...ومع تقدم الإنسان في سلم الحضارة تغيرت الوسائل والموضوعات بحكم تغير حياة الإنسان وأفكاره وأدواته , حيث أصبحنا نشاهد الجداريات تنفذ على جدران المعابد والقصور والأبنية المهمة .. وبشكل لوحات كاملة رسما ونحتا بارزا وفسيفساء بصبغة لونية أو من الحجر أو الفخار أو السيراميك .. وكلنا شاهدنا مسلات صيد الأسود الآشورية ومشاهد الحرب والمشاهد الطقوسية والآلهة والكهنة والنذور وبلاط الملوك ......الخ.وفي العصور الإسلامية تراجع الرسم والنحت عامة لصالح الخط والزخرفة لكن هذا لم يمنع من وجود نتاجات جدارية في الحمامات والمساجد والقصور ...أما في العصر الحديث فقد خلت كل العقود حتى السبعينات من أي عمل جداري مهم عدا نصب الحرية العملاق الذي نفذ بداية الستينات حيث كان منجز جواد سليم ولا يزال استثنائيا سابقا لزمنه بأشواط وشكل نقطة تحول في تاريخ الفن العراقي لم تستغل حتى الآن .. وفي مرحلة السبعينات والثمانينات التي شهدت توجها غير مسبوق لإقامة النصب الجداريات والتماثيل ضمن خطة انفجارية تجاوبت مع ارتفاع معدل الدخل الوطني والاستقرار السياسي الذي دام عدة سنوات ...لقد كانت هناك محاولات جادة لإعطاء بصمات مميزة لبغداد عبر النصب والتماثيل الجداريات بغض النظر عن مستوياتها المتباينة استمدت مواضيعها من تاريخ وتراث العراق لكن سرعان ما بدأت تغيرت وجهتها بفعل الحرب بداية الثمانينات لتُكرس لجهد الحرب وصناعة القائد الأوحد .. وامتد ذلك إلى التسعينات مع تواصل حالة اللا استقرار التي أثرت بشكل كوارثي ومدمر على طبيعة الحياة والشخصية العراقية ...كان هناك مايشبه الهوس نحو ملئ الساحات والشوارع وواجهات الدوائر الرسمية بجداريات تمجد شخص الرئيس الأسبق وتشير إلى انه وحده صاحب كل الانجازات ومفجر كل الثورات وتذكر الشعب بوجوده معهم أينما حلوا كنوع من إظهار القوة والسطوة والنفوذ وإلقاء سطوح كونكريتية على القلوب حتى تستسلم لقدرها المشئوم إلى أن يشاء الله ...كنا في أغلب الأحيان موضوع الجدارية الشخصية قد لوئِم مع المكان , فعندما تكون أمام وزارة الإسكان والتعمير ستراه يحمل طاسة البناء أو يبني جداراً ويمثل دور البنّاء وحين تكون في منطقة عشائرية ستراه وهو يرتدي الملابس العربية ويحتسي القهوة وعندما تدخل المقهى ستراه يشرب الشاي بكل سعادة أما في معسكرات الجيش والوحدات العسكرية فتراه يلازم البزة العسكرية ويحمل السلاح أو يصوبه نحو صدور أعداءه أو يرقب تحركاتهم بمنظاره أما عند أبواب الجمعيات الفلاحية فسوف تراه وقد شمر عن ساعديه وانضم إلى حملة الحصاد وفي المسابح كان يلبس الشورت ويسبح في النهر, وهكذا ...إلا في حالة واحدة لم نرها أبدا وهي عندما نكون عند إحدى المنظمات النسوية حيث لم نجده يرتدي التنورة أو العباءة النسائية ويضع الماكياج ولا ادري لماذا فاته الأمر ...؟!أود أن أشير إلى أمر وهو إنني لست في موضع السخرية من شخص أو الانتقاص منه وإنما وددت طرح مشهد هزلي لم يكن يومها في أعين الشعب المسكين كذلك أو لم يره على هذه الصورة وربما لم يميزه أصلا فقد كانت الهموم تلقي بغشاوة سوداء على العيون ...مشهد ساخر يصل الإنسان إليه عندما يغيب آراء وأفكار وأحلام الآخرين ويطرب لنفاق المحيطين به من المتملقين , ويطرح نفسه على انه المفكر والمنقذ والموجه الوحيد الأوحد للشعب الذي لا يعدو لديه سوى قطيع خراف يسوقه يمنة ويسرة إلى المرعى أو إلى الذبح ...بعد أن حصل ما حصل بالشكل والكيفية التي شهدناها , وكلنا شاهد ردود الأفعال المختلفة والعفوية التي عبرت عن مقدار الضغوط الهائل والمؤلم الذي كانوا يرزحون تحت وطأته لسنين طوال , وهذا أمر طبيعي وان حاول البعض تحويله وتأويله واستغلاله لهذا الطرف أو ذاك لغايات عديدة يضمرونها في أنفسهم .. لكن أمام العقل الواعي لن يتغير شيء من حقيقة الحالة الانفعالية الإنسانية التي يمكن ان تحصل في مثل هكذا ظروف وأحداث جسام بغض النظر عن انتماء الشخص السياسي والفكري والديني مع وجود التباين بالكم والكيف والنوع .. أجد من المهم أن أؤكد على أمر مهم جدا يتم التعاطي معه بشكل خاطئ ومغرض وهذا الرأي لن يعجب البعض ممن يحكم سلوكهم وأرائهم العصاب الجمعي ... وهو اعتبار كل النصب و الجداريات والتماثيل التي تم انجازها وتشييدها في العهد السابق تمثل فكر وشخوص ذلك العهد الذي يجب التخلص منه بأي شكل وهذا أمر خطير جداً وبعيد كل البعد عن الدقة ويتم توظيفه في العراق منذ عهود ليصبح من سمات التحولات في العراق ...إننا لو آمنا بذلك فيعني أننا نحكم , على تاريخ وتراث ونضال وشخصيات من فنانين وأدباء وعلماء وجنوداً وسياسيين وشهداء بذلوا أعمارهم لتحرير واستقلال وتشييد بلد وشعب كامل ,بالإعدام وعندها مالذي سيتبقى لنا ..؟ولأكون واقعيا وموضوعيا وحياديا , وأقول :إن كان يجب إن ترفع ( الرفع وليس الإزالة لان هناك فرق ) تماثيل وصور و جداريات ونصب رموز العهد السابق التي تشغل الأماكن العامة فقط فكان من الواجب أن يحافظ عليها في أماكن معينة تخصص لهذا الغرض , باعتبارها جزء من الذاكرة العراقية لان من يبني يحتاج إلى أرضية والأرضية هنا هي التجارب إذا كنا نريد أن نقيم نظاما وبلدا جديدا يفكر بعقل منفتح ويمتلك رؤية حكيمة ومشرقة للحياة وللمستقبل الذي هو نتاج الماضي والحاضر معا لا أن نبدأ عهدنا الجديد بالهمجية واللاعقلانية ذاتها أو اشد .. وبسلوك السراق والمفسدين ... كان يجب أن نكون المثل لا الأمثولة..............!!!أعود إلى سياق الموضوع وتسلسله الزمني ..ومع ذلك دخلت العراق أحزاب وشخصيات ومسميات تحمل معها أشكال وصور وشعارات مختلفة لم يألفها أو يسمع بأغلبها أحد وبدأت تترك بصماتها على الجدران وبشكل فوضوي يحمل كما هائلا من البدائية وبدأت بإبدال الجداريات القديمة بأخرى , وهذه المرة ليست لشخص بذاته بل لأشخاص كثر وبدأ عهد جديد من الترويج لأسماء بعضها حي والبعض الآخر ميت وامتلأت الشوارع والساحات والمتنزهات والدوائر الرسمية بإضعاف ما كان من قبل من الجداريات والغريب أن الصور المختلفة وبمرور الزمن بدأت تتوحد وتزداد , مع التحولات السياسية, من حيث نوعية الأشخاص الذين تمثلهم وترتيبهم وعددهم ... حيث أصبحت الجدارية الواحدة تحوي شخصين وثلاثة وأربعة وأحيانا فريقا كاملا مع الاحتياط وبترتيب سينمائي كما في بوسترات السينما الهندية , وثمة زي موحد بدأ يطبع ملابس هؤلاء , ملابس تعود إلى العهد الجاهلي والعهود المظلمة , من التاريخ الذي مر بها العراق في سني الاحتلال السابقة التي ورثت للعراق الفقر والجهل والطائفية وملحقاتها , ملابس تتفق على لون واحد لا غير وهو اللون الأسود , والوجوه تبدو كئيبة وبعضها غاضب ولا نعلم ما سبب التجهم , ربما لما تراه من مستقبل مجهول , على عكس ما كان سابقا حيث كان يبدو مبتسما منتشيا بتفرده وانتصاره على أعداءه وهم كثر , ومقهقها أحياناً ربما ساخراً من حال الدنيا التي جعل من أمثاله يتسلطون على رقاب ملايين العراقيين ويتصرفون بمقدراتهم ومستقبلهم ومصالحهم وأرواحهم وأعراضهم على هواهم ...أجد من الأمانة أن نذكر هنا الحاكم المدني الأميركي بول بريمر الذي شذ عن هذه القاعدة الأزلية والذي لم يضع ولو جدارية واحدة له , لان مثل هذه السلوكيات والتصرفات غير مألوفة في بلاده التي لا تعبد حكامها مثلنا لأنها من البلدان المتخلفة عب ركب الحضارة الإنسانية أو لأنه لم يكن لديه الوقت لكثرة مشاغله في نثر الأموال الطائلة هنا وهناك , من جهة وكثرة الولائم التي كان يدعى إليها من قادة الأحزاب والشخصيات الدينية والسياسية والعشائرية ....!أمام هذا المد الصوري القاتم كان هناك تخريب وتدمير لأي صورة أخرى تخالف هذا النمط حتى الإعلانات التجارية الكبيرة , وهذا الأمر طال حتى جداريات الحملات الدعائية الموجهة التي تصب في مصلحة الحكومة نفسها والتي يشكل هؤلاء أجزءا كبيرة منها , حيث فرضت قوانين طالبانية ومن جهات مختلفة ومتخالفة على كل الإعلانات والصور منعت ظهور أية فتاة مهما كان عمرها دون حجاب وان كانت طفلة , والجميع شاهد ويشاهد ماجرى ويجري لهكذا صور من تمزيق وتلطيخ وتدمير , وامتد ذلك إلى الإعلانات الضوئية للمحال التجارية وفي جميع مناطق العراق عدا كردستان ....وعلى صعيد ذي صلة .. جاءتنا الانتخابات التي كانت وبالا على الجدران قبل ان تكون كارثة على الشعب حيث لم يبق شبر لم تغطيه بوستراتها وصورها الجدارية الرديئة فنيا , وكانت الجدران تتغير كل ساعة ليلا ونهارا .. حيث كان هناك دائما من يمزق ويلصق وهكذا دواليك .. كثير من الناس من كان يضيع مكان بيته بسبب عدم قدرته على تمييز شكل ثابت للجدران وحتى أبواب المنازل لم تسلم من سرطان البوسترات وأصبحت هي والجدران واحد ...تلك البوسترات التي طبعت بالملايين وبأموال لا احد يعرف مصدرها .. إضافة إلى الإعلانات الجداريات الضخمة التي احتلت الشوارع وأسطح البنايات بشكل خنق المواطن يدا بيد مع دخان المولدات وسيارات المنفست .... وكم من مرة انتهى إلى أسماعنا صوت أم وهي تخوف طفلها لكي يكف عن إزعاجها وعدم إطاعتها , بان الله سوف يسخط عليك ويحولك إلى مثل هذا الذي في الصورة , أو انه سيجيئك في المنام ويخنقك , فيرتعب الطفل ويكف في الحال عن تمرده ...إن الآثار النفسية والاجتماعية الوبائية التي تلقي بظلالها على العائلة بشكل عام والأطفال بشكل خاص وما يترتب عليها من أمراض سلوكية ونفسية واجتماعية سيعاني منها المجتمع لعقود طويلة مثلما يعاني مجتمعنا اليوم من أمراض سببتها عقود سابقة... هذه العواقب لن تقتصر على ذلك بل ستمتد إلى بنية المجتمع وبناء الوطن لان من يبني البلاد هو الإنسان وأي مؤثر إيجابا أو سلبا سيتناسب طرديا بين الجانبين ..وأخيرا أقول إذا كان هدف الفن هو إنقاذ البشرية من التردي في هاوية الشر كما يقول ( بيكاسو ) وان الفن هو المؤشر الرئيس لحضارة أية أمة , وان أية أمة بلا فن هي أمة بلا حضارة , وان أمة بلا فنانين مبدعين لا تعدو أن تكون تجمعا من الناس يفتقدون إلى واحدة من أهم الحاجات في النفس البشرية إن لم تكن أهمها ألا وهي الحاجة الجمالية كما يقول ( مويمان بان ) فإننا لا نملك إلا أن نحلم بان نخرج ذات صباح إلى العمل لنرى جدرانا نظيفة و جداريات وصور تمثل المشرق من تراثنا وتاريخنا وخيالنا القصصي والملحمي والأسطوري الرائع , ومواضيع صادقة من الواقع المعاش تعطي إحساسا بالارتياح وتدعو إلى التأمل والتفكير وحتى للهو الأطفال وربما الكبار أيضا وتنمية خيالهم ...نتمنى أن تتحول مدننا إلى متاحف مفتوحة للفن التشكيلي تلون عيون الناس بالبهجة والبراءة والرومانسية والخيال وتدغدغ مخيلتهم ومشاعرهم وتنمي ملكاتهم كما في البلدان التي تحترم الإنسان لا لكونه من هذه الجهة أو تلك بل وفقط لأنه إنسان ....لا أن تتحول شوارعنا إلى ساحات حرب ودمار يتصارع فيها التافهون , وان لا نرى فيها أثرا لتلك الصور المتجهمة لأناس يدعون للعنف والقتل بدل الدعوة للحياة والمحبة والتسامح ...أن نرى صورا تعبر أحلامنا .. آمالنا.. طموحاتنا نحو حياة حرة كريمة آمنة بدل العودة إلى عصور الجاهلية حيث الفوضى واستباحة كل شيء دون رادع كما نعيش اليوم... انه حلم قد يتحقق وقد يبقى مجرد حلم في بلاد حرِّمت عليها حتى الأحلام ...!

تكايا الفن ... مقابر للثقافة


بعد أسابيع من سقوط كابوس الاحتلال على صدر بغداد الحزينة ,وبعد أن بدأت تنسل عبر الجدران المنخوبة برصاص الغزاة , جرذان وقطط سمان لتبتني لها ولايات من جهل وفتن تمزق جسد الوطن المثخن بالجراح .. كنا في جلسة أُخبرنا أنها (فنية) لمناقشة واقع الفن وآفاق تطويره , وكان يتحدث أحد ( الفنانين ) كما يحب أن يُلقب, وكما تعلمون ,أن الأسماء والرتب والألقاب والمناصب أصبحت منذ سنين توهب لكل من هب ودب, وهذه سمة يبدو أنها أصبحت ظاهــرة تأريخيــة لدينا ...
- لقد أعربت الجهة الدينية (الفلانية) عن استعدادها لدعم نشاطات ومعارض الفنانين ماديا ومعنويا, وقد رحبت بذلك العرض الكريم وأعربت نيابة عنكم عن ترحيبنا بكل ما من شأنه خدمة العقيدة والدين والمذهب وطلبت ترشيح أحد
( الكهنة ) ليكون ممثلا دائما لهم في لجنة تقييم الأعمال المشاركة في كافة المعارض التي تقيمها النقابة لكي يحرص على أن تكون الأعمال المشاركة متفقة مع أحكام الشريعة ويستبعد كل عمل مخالف..وتماشيا مع تقليدنا الدينية ومبادئنا التقليدية سوف تكون لنا تكية تسمى تكية الفنانين ويكون لنا موكب عزاء خاص في المناسبات يسمى عزاء الفنانين كما هو حال عزاء (النعلجية ) و (القندرجية ) و(.....) ..
واسترسل في تقديم الأسباب العقائدية والمبررات الميتافيزيقية وكأنه يلعب دورًا لولي من الأولياء في مسلسل رمضاني أو مبشر في مجاهل أفريقيا أو رجل دين يحاول إقناع مستمعيه بفكرة لا يؤمن بها هو ليستجدي عبرها تعاطف دموعهم وعطف جيوبهم ...
نظرت إلى الوجوه من حولي فكانت بين صامت واجم وبين من بدت عليه خيبة الأمل وبين مبتسم مرحب بغباء بهذا الظفر العقائدي وبين غير مرحب لكن باستحياء..
كسرت هذا الصمت بقولي :-
وهل تقترح يا أخانا (الفنان) أن نحول اللوحات إلى طبول ندق عليها بالفراشي ونحول سكاكين الرسم إلى سيوف نضرب بها هاماتنا؟ , وهل توصي بأن ترافق المواكب موسيقى حلاق أشبيلية أم كناس الحضرة ؟وهل تريدنا أن نخرج عراة وقد لطخنا وجوهنا وأجسادنا بالألوان مثل الهنود الحمر والأقوام البدائية (رضي الله عنهم)؟ وأي الألوان تنسجم مع الشريعة وأيها تخالفها؟ وما حكم من يتخلف عن هذه الطقوس أهو الجلد أم قطع اليد أم..؟
وهل ورد في الشريعة ذكر لمدرسة فنية ناجية والسبعون الأُخر في النار...؟
وهل تقترح علينا سماحتكم أن نزين تكيتنا المعظمة بفوانيس أم برؤوس جواد سليم وفائق حسن وخالد الرحال وحافظ الدروبي وإسماعيل فتاح وليلى العطار وسلفادور دالي وبيكاسو ودافنشي ومايكل أنجلوووو....................................؟
وعم اللغط والفوضى وانفض الاجتماع ,لكن استمر أصحاب هذا التوجه الشاذ بالعمل تحت لواء هذه الجهة أو تلك وتحت هذه العمامة أو تلك الجبُة يصنعون السراب لغيرهم ويستأثرون هم بالأموال المسروقة من قوت الشعب رامين للآخرين الفتات الممزوج بالذل والمهانة من بقايا موائد أسيادهم اللصوص الكبار( أدام الله ظلهم فقط ) فنحن بحاجة لكل ظل في صيف الظلم الدائم في العـــراق ...
من المؤسف أن نرى من يفترض أن يكون لبنة في بناء الثقافة والفن في بلادنا ,يتحول إلى متطفل مع المتطفلين على الموائد الحرام ,وإلى بوق مبحوح يلوث الأسماع والأذواق ...ليغدق عليهم اللانظام مناصبا لا يستحقونها فيترأسون جمعية هنا ويحملون الدكتوراه هناك في جامعاتنا الفنية المغفور لها .. ويا لها من مفارقة سوداء أن يشغل هؤلاء (...) مناصب وأماكن عمالقة الرعيل المتقدم من الفنانين الذين أسسوا بالدم والدموع صرحا للفن العراقي خارجين من ركام القرون المظلمة استعباداً وتخلفاً وهدراً للكرامة الوطنية ... ليأتي هؤلاء اللا أسميهم ويهدموا كل تلك المنجزات العظيمة ويحيلوها إلى دكاكين للتكسب والتملق والدعارة ...
فهل هذا إيذان بسقوط مغولي جديد للثقافة والفن في العراق بعد السقوط السياسي المدوي وقيام دويلات الطوائف والأعراق ...
لا أدري لماذا لا يكون للفنان والمثقف موقف الصامت المحتج على وضع منحرف عندما يعدم وسيلة المجابهة وعندما يكون الصمت متاحاً...
فهل أصبحنا نحتاج إلى الشجاعة حتى لنصمت ونكون شياطين خرس ؟ أم أن عهد أصحاب النفوس العزيزة قد ولى ونحن نعيش عهد أصحاب النفوس الضعيفة التي تسبِّح بحمد أصنامها وهي ترقص على جراح وأشلاء العراقيين المنتشرة على طول العراق وعرضه , وكرامتهم المهدورة من المحيط إلى الخليج ...............؟
ألا إن فعل الورق الأخضر لعظيم , يحول المثقف إلى واعظ في بلاط السلاطين نهارا ,وقواداً في مواخير السياسيين ليلاً ...
ويا للعــار... !!!

الثلاثاء، 20 يناير 2009

صرخةُ الفرات