الثلاثاء، 21 أبريل 2009

عندما يبيع العباس الدجاج...!


عجيبة هي الذاكرة الشعبية كم هي ذات قابلية نهمة للإختزان وللتقليب والتحوير والأسطرة وكم هي سهلة على الإحتيال والنصب لأنها تنساق ضمن خيوط العاطفة والفطرة والهواجس وخوف المجهول والعداء لكل ماهو جديد بدافع الشك والتردد واستسهال الواقع وتفضيله بكل سلبياته على الغد الطموح وتجربة التغيير ...
عندما تريد وصف انجاز عمل ما دون اتقان وبكل استسهال للموضوع فأنت تقول ((خبزته مثل خبز العباس)) دلالة عدم الأهتمام أو إيلاء الأهمية رغم المكانة والهيبة والخوف الذي تمثله شخصية كالعباس في الذاكرة والمخيلة الشعبية وماله من مكانة دينية وغيبية تصل حد الرعب أكثر من رب العالمين فترى المرء كان امرأة أو رجل قد يقسم بالله كذباً دون خوف لكنه يموت من الرعب قبل التفكير بالقسم بالعباس .... إزدواجية عراقية مميزة وماركة مسجلة وبامتياز ....
والخبز هنا نذر قد يخلط عجينه باللحم او يلف به كباب البيت العراقي ويوزع بشكل لفّـــات مع الفجل أو الخضار عادة , نوع من تبادل الكرم وتكافل بسيط غير مكلف يسعد الناس ويعزز أواصر الجيرة بينهم لو تتبعناه لوجدنا جذوره تمتد عميقاً قبل أن يكون هناك العباس وقبل ولادة الآلهة والأديان .. تلك امتدادات خفية من تراث ولاوعي وميثولوجيا ماتزال تنبض في باطن أديم الفراتين العتيق ....
وأنت تدخل مابين الحسين والعباس مابين الأخ والأخ مابين الناهض والناصر مابين المسلوب في حياته والمسلوب بعد حياته مابين من استغل اسمه أصحاب المطامع وطلاب السلطة دون استحقاق من نهبوا باسمه خيرات وحياة ومستقبل وأعراض بلاد عريقة ولم تسلم من أيديهم النهمة للحرام حتى القبور لا لشيء سوى عقوق الأرض التي آوتهم وآبائهم بعد تشرد وكستهم بعد عري وأشبعتهم حد التخمة بعد جوع مدقع .. وأنت تدخل بين حنايا هذا الفضاء المشحون بالعواطف الفطرية السهلة الخداع والإستغلال على مر العصور تلاقيك لافته تعلن عن ماركة دجاج يتبناها ويدعمها ويبيعها ويسوق لها العباس ..أليس أمراً غريباً ؟؟؟؟
تتساءل من الوهلة الأولى ما علاقة العباس بالدجاج هل هذا من نتائج الضربة التي تلقاها الدين بعد صعود من يدعي التدين ويتبنى الفكر الديني ليس في انتخابات وإنما في الشارع الذي أصبح يقرف ويتقزز من ذكر أي شيء يمت لهذه المنطقة المتعفنة حتى النخاع منطقة اللاحرمات واللانزاهة واللاحياء واللاضمير واللاشرف واللاوطنية وقبل كل ذلك اللاإنسانية .... هل هي من نتائج الأزمة المالية العالمية التي قلبت حال الدنيا وكانت مثل الثورات والتغييرات السياسية الإنقلابية الحزبية الدينية الفنطازية حيث يزداد بعدها الأغنياء غنى والأغبياء غباء والفقراء فقراً والقوادون عملاً ومناصب ... سيرة حياة لبلاد لا أمل في أن يطلع عليها نهار حقيقي.
إن انتقالة كهذه ليست جديدة لمن يدرس قضية شائكة ويكتشف خباياها الموغلة في التخفي و الاندساس وهي موجود يظهر ويعبر عن مفاهيمه ويعلن عن تمددات أجنحته الخفاشية مدعياً ومتناسباً طردياً مع ارتفاع مستوى الرفاهية لمجتمع اللصوص ومزوري الشهادات ومدعي السياسة والثقافة والفن وأخيراً وليس آخراً الدين لتثقل جيوبهم بالسحت الحرام وباللقم المسروقة علناً من أفواه الجائعين سكان بلاد مابين القهرين بلد البترول الأول .. أليس البترول كلمة عار ؟؟؟؟ فكروا بها جيداً ..!
قلنا هو تناسب طردي مع ارتفاع مستوى الرفاهية الحديثة المكتسبة عبر مهاترات مدعي السياسة ومدعي الثقافة ومدعي الفن والتي كان لها قصب السبق مهاترات مدعي الدين التي فتحت أبواب البلاءات التي لا تنتهي على شعب بائس في بحبوحة العز جائع وسط أكوام الذهب غارق في حزن لا أول له ولا آخر في بيئة أفضل ماتكون للسعادة يرى العالم بعين الريبة والخوف والتردد والشك وحتى الحسد والغبطة على وليس من رغم أن يغبطهم لا يصلون لو فجروا أنفسهم كما تفعل كلاب الجوار والدنيا وحثالتها في بلادنا لن يصلوا إلى شعرة مما يملك أو يمتلك أو يختزن أو يقدر أو يحب أو يطمح أو يتمنى أو يتعامل أو أو أو ....... إلى أين تنتهي تأوهاتك يا وطن ؟؟؟
إن الإنتقال من تجارة الخبز إلى تجارة الدجاج خطوة عملاقة نحو الغد المشرق الذي يرفل فيه كل مواطن بدجاجة برازيلية مختوم على مؤخرتها عبارة (( آخر المطاف )) كانتقال لص الخبز بطريقة دارونية إلى لص دجاج على طريقة الدبل كك البرازيلة المتشقلبة .. وبالمناسبة هي عملية شراكة في حقيقتها تمارسها الجهات الدينية عندما تستفلس وتتساقط أسنانها الفتاكة عندما ينفد اللحم وتصطدم بعظام الكادحين الى ربهم كدحاً شديداً .... فتلجأ للدخول كشريك في منتجات يجري تحريمها كالسكائر واللحوم والبيض والسمك والحليب والجبن والآيس كريم والعطور ومواد التجميل والفواكه والمشروبات الغازية وغير الغازية وحتى الخادمات مقابل صك تحلل فيه هذه البضاعة أو تلك وعند اللزوم تزود بصك لتحريم بضاعة منافسة وباتفاق آخر وفي حال عدم تعاون طرف ما تاجرجملة مع هذه الجهات المتدينة وخصوصاً في زمن الحرية والديمقراطية المنغولية التي منت علينا أميركا جل جلالها وصحابتها جيران السوء فقد خرجت تلك الجهات من دعوتها السرية إلى العلنية وبدأت تستخدم العبوات والقاذفات والهاونات وتحرق الأسواق الكبرى وأسواق الجملة وحتى المصارف أو تقوم بمساعدة أدوات مافيتها الكاوبوية بالسطو عليها , وفي عصر العولمة هذا انفتحت طرق التواصل والتنقل على كل من يملك المال وأصبحت المراكز الإسلاموية هنا وهناك تدس أنفها في كل صغيرة وكبيرة كضباع نهمة ربما هي القاعدة التأريخية لهكذا طبقة طفيلية مريضة ممرضة لا تستطيع الخروج من جلدها الإستجدائي وصدق المثل الشعبي الدارج الذي يقول (( تموت الدجاجة وعينها على كوم الزبل)) ...
وبمناسبة الحديث عن جمعيات الزبل ..عفواً للسهو, فهذه الجمعيات تتوالد وتتكاثر منذ أمد في وسط لاهوتي تحريمي تحليلي جامع لكل مزايا القولبة الفرهودية المحتالة على عقول ساذجة مخدرة , والدافع المعتاد في هكذا أمور هو الإثراء بطرق غير مشروعة إن لم أكن واهماً وكانت طرق الخداع والمتاجرة بقيم الدين ماتزال طرقاً غير شريفة للكسب وأشياء أخرى...
وطرق سمعي بشكل لا إرادي ثم إرادي جواب أحد دهاقنة الدجاج البرازيلي ولنسميه الشيخ رونالدينهو وهو يعطي أسعار الدجاج قبل التحليل وبعد التحليل ويعرض خدمات المساعدة ونجدة القوم الغارقين في ظلال الطعام وكيف يمكنه مدهم بممثلين ومندوبين إلهيين من قبله يكونوا نواباً عنه في هذه الحرب الدينية المليئة برائحة البراز (كما كانت حروب الكنيسة نتنة بروائح الدم البشري الزنخة ودخان الشواء ) لو فتحوا مصنعاً أو مركزاً دجاجياً ليس لتعليم الدجاج الصلاة أو الصوم بل لتعليمها كيف تذبح على الطريقة الإسلاموية كما علموا الناس كيف تفعل ببعضها البعض وبنجاح ساحق ونتاجهم مجازر العراق الزرقاوية والخضراوية والحمراوية والصفراوية والسودابيضاوية ... بالسيف أو بالمفخخ أو بالعبوة أو بالمثقاب أو كما هي لهم نهاية مرئية لها سوابق انتهت وبالقندرة ....
لو تناولنا الموضوع من وجهة نظر اجتماعية مكانية دينية وما تضفيه من مصطلحات وأجواء لوجدنا واكتشفنا حقائق مذهلة وبسيطة في نفس الوقت ولزالت كل أو أغلب علامات تعجبنا .. إن السر يكمن في البيئة الدينية المنغلقة التي تؤدلج كل شيء وتضع كل تصرف تحت سيطرة نزعاتها التسلطية الفجة والمريضة وما تنتج هذه الأجواء من أناس مسيرين في سياق مجير ومحدد لا يقبل النقاش ولا الجدل لأن ذلك سيدخل ضمن نطاق المعصية والشك فيما لا شك فيه وهنا يبرز الكفر كتنين بثلاثة رؤوس يحرق الصابئين عن دين آبائهم المخدرين بأفيون لا قومة من نومته ومن يتجرأ على التفكير في التغيير سيستجلب له ولأهله الويل والثبور وعظام القبور وسيكون مصيره في الدنيا على ايدي جلاوزة هذه المؤسسة المنتفعة أسود من وحش (الطاوة) قبل أن يدخل الفرن في الآخرة ويصبح (تبسي) ...
هكذا بيئة وفق الدراسة الإجتماعية لابد تنتج مجتمعا غير منتج يعيش وفق نظام إقتصادي مشوه لا يرتكز على قاعدة تجارية أو صناعية وإنما حالة من هذه وتلك مهجنة مثلما تهجن الخيل والحمير لأنتاج بغل يعمل( زمال شغل ) لكنه عقيم وعقيم بدرجة الإمتياز ومن المصنع ... والعاقل يفهم !!!
كل عمل خطط له ليكون مرتبط بأساطيرهم الغيبية لتجتمع الخيوط بيد واحدة مؤسساتية مسيطرة تحرك الجميع متى شاءت وتشلهم متى أرادت وعليهم تنطبق مقولة لهارون الرشيد :
أيتها الغمامة .. اذهبي حيث شئتِ ,فإن خراجك عائد إلي
إنها شهية السيطرة وشهوة الاستلاب ترتدي أحدث الأقمشة وتركب آخر ماركات السيارات العالمية وتتملك في أحدث المدن والمنتجعات وتشتري برجاً هنا وقارباً فخماً هناك لكن جوهرها ما زال ينتمي بكل كيانه لعصر الكهوف بكامل جهله وتوحشه ونزواته وسوداويته ...
وسواء باع العباس الدجاج أم باع الدجاج العباس فلن تكون أول عملية بيع تشهدها مساحتنا التراثية المتدينة ولن تكون آخرها فلطالما باع المتسلقون والوصوليون وشذاذ الآفاق واشتروا بمصائر الشعوب ودماء الشهداء ....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق