الأحد، 25 يناير 2009

القطط والأسماك


قبل مدة ليست بالبعيدة أتحفنا بفتوى جديدة تحرم أكل السمك النهري العراقي وتستثني السمك الذي ينبت في أعالي الجبال ومن اشتهى أكلة سمك ولم يستطع صعود الجبال فليتجه إلى المستورد وأمره إلى الله ...لقد اعتاد العراقيون على هكذا أطروحات فلسفية تخرج بين الحين والآخر يأخذ بها البعض والبعض الآخر يتندر بها لكن كثيرا منهم لم ينظروا إليها من خارج إطار الفتوى ونادرا ما تطرح على بساط البحث والتحليل حتى فيما بينه وبين نفسه ..ولو أننا أخذناها وأضفناها إلى سلسلة الفتاوى المشابهة المتراكمة على فترات متباعدة والتي أصبحت جزءاً من التراث السلوكي والهضمي ومن العادات والتقاليد وأيدت وأسندت بآيات وأحاديث وسنن وأقوال وحكم لإعطائها المصداقية والقوة حتى تكتسب صفة الثبات في الأذهان وتصبح من المسلمات التي لا يفكر احد ولو بالشك فيها ولو أعدنا الزمن إلى الوراء وقابلنا بين مثل هذه الصكوك التحريمية وبين العهد والفترة الزمنية التي خرجت خلالها لوجدناها تصب في سياق العقلية التخاصمية التي لا يستطيع كثيرون العيش دون إدامة اشتعال نارها بين الحين والآخر حتى لا يخسروا التجارة الرابحة التي يعتاشون منها اقتداءاً بمن سبقهم ...إن هذه التجارة التخاصمية البغيضة وغير الشريفة حافظت على الانشقاقات داخل مجتمعاتنا وعملت على تعميقها يوما بعد يوم بوسائل وأساليب شتى وأثارت عبرها حروبا وصراعات ومذابح حتى داخل المجتمعات الصغيرة ( المحلات ) ...وقد لعب ادوار البطولة فيها خلفاء وحاكمون بأمرهم ورجال دين يتكلمون باسم السماء , وقد طالت حرب التحريم هذه طيورا وأسماكاً وحيوانات أخر لا للحفاظ عليها من الانقراض لا سمح الله بل لأنها تكثر في مناطق الجانب المناوئ لهم حيث تعمل فيها الفتوى بحجة أو بأخرى لتحريم تناولها وبالتالي الإضرار بالفريق الآخر اقتصاديا ..لنعد للقول لماذا لا يحرم هؤلاء رمي الجثث في الأنهار وقبلها لماذا لا يحرموا قتل الناس بالأصل ولماذا لا يضغطون باتجاه كشف القاتل المجهول الذي يعمل سكينه في رقاب الجميع ؟ أليس ذلك الموضوع أهم من التحريمات وأمور أخرى من التفاهة وغير المشروعية رأيناهم جيشوا كل طاقاتهم لها ضمن حملات يمكن تسميتها بالمسعورة بامتياز ..؟ لماذا لا تضغط على الجهات المسؤولة لفضح الجهات والدول المسؤولة والممولة لآلة القتل هذه تمهيدا للاقتصاص منها ..؟بدل أن يجتمعوا هنا وهناك وبكل البهرجة الإعلامية والتكاليف الباهظة من طائرات وفنادق وإجراءات حماية ليوقعوا وثيقة شرف تحرم دم العراقيين لا يلتزم بها موقعوها أنفسهم أو يتوصلون إلى اكتشاف عظيم لا سابق له ألا وهو احترام إنسانية العراقيين حيث اكتشفوا أن العراقيين بشر فهنيئاً لنا ولهم النتائج الباهرة بعد التجارب المختبرية على ملايين العراقيين والتي أنتجت أكثر من مليوني ضحية وملايين الأيتام والأرامل والمهجرين داخل وخارج بلادهم والزاحفون تحت المطرقة العمياء ... لماذا لا يحرم أكل اللحم العراقي قبل تحريم أكل السمك العراقي يا حماة حقوق الحيوان وكأنه من بقية أهلكم ..؟هل أن قدر العراقيين أن تكون بطون الأسماك وهوام الأرض والسماء قبورا لهم بعد أن امتلأت الأرض بجثثهم حد التخمة , في حروب التحرير والتطهير القومية والإسلامية والوطنية في الكارون وشط العرب والخليج العربي ومحيطات الأرض وأخيراً في دجلة والفرات ...؟(لماذا يأكل لحومناالإخوان العرب والإخوان غير العربوالإخوان المسلمون والإخوان غير المسلمينوالإخوان غير الأخوان ..؟ ).......................(1)( لماذا يذبح العراقيون في كل الطرق...وعلى كل الطرق ..الصوفية والبوذية ...والمجوسية والعروبية ..وتتقاطع في لحومهم كل المدى ...وينحر تأريخهم ..من المدى إلى المدى ...؟ ) .......................(2)أليس لحم العراقيين أحق أن يحرَّم ...؟لكن والحق يقال أن الجميع ملتزمون بالشرع الذي حرم الميتة والدم ولحم الخنزير .. وليس العراقي من الخنازير ولا ممن يلتذ بدماء الناس فقد علم الدنيا معنى الحياة وليس العراقي بميت فهو الحي ذو الضمير الحي الذي أوجده الله في منطقة وعالم ماتت ضمائره منذ الأزل ...( ويحكم ...قدماي لم تغادرا صخرة المعراج ..لكي تسري جنازاتي ...من بوابة الخضر ..إلى أم الرصاص ) ............................. (3)لقد أصبح اللحم العراقي مطلوبا من الخليج إلى المحيط بعد أن تحول الساسة إلى مافيا تتاجر بالنفط العراقي وباللحم العراقي وبالدم العراقي وغدا بعظام العراقيين ..إن من المؤسف أن نرى مصائب بلادنا تأتي في أغلب الأحيان عندما يتحول رجل الدين إلى سياسي والسياسي إلى رجل دين عندما تقتضي المصلحة الشخصية والشخصية فقط .. في انتقالات كارثية كمنشار ضخم ينشر في جسد المجتمع والوطن ويمزقه بلا رحمة ...هذه الازدواجية لو تتخلص منها بلادنا لاختفت مشاكل وماس كثيرة وكبيرة , ولما كنا نعيش اليوم هذا الواقع المرير والمؤلم بكل تفاصيله ...وهذا يدفعنا إلى التساؤل والقول : لو كان ثمة قانون ودستور ومؤسسات نزيهة وسلطة قوية حازمة عادلة .. هل كانت هذه الأطراف تتجرا على لعب هذه الأدوار القذرة, وان حاولت أن تلعبها, فهل كانت ستفلت من العقاب.. إن هذه الأدوار عبارة عن مجموعات من الخيانات العظمى ومن النوع الثقيل والمكشوف والمفضوح والمحمي من قبل أدوات قمعية تتخذ الدين وتقاليد العنف والتآمر والكذب والفساد وسائل ناجحة في التأثير والعمل والاستمرارية منذ مئات السنين في بلد لم يعرف استقرارا حقيقيا عملت هي على استمرار هذا الحال مثلما يقول المثل الشعبي ( البزّون يكيِّف بعمى أهل الدار ) ...ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق