الأحد، 25 يناير 2009

تكايا الفن ... مقابر للثقافة


بعد أسابيع من سقوط كابوس الاحتلال على صدر بغداد الحزينة ,وبعد أن بدأت تنسل عبر الجدران المنخوبة برصاص الغزاة , جرذان وقطط سمان لتبتني لها ولايات من جهل وفتن تمزق جسد الوطن المثخن بالجراح .. كنا في جلسة أُخبرنا أنها (فنية) لمناقشة واقع الفن وآفاق تطويره , وكان يتحدث أحد ( الفنانين ) كما يحب أن يُلقب, وكما تعلمون ,أن الأسماء والرتب والألقاب والمناصب أصبحت منذ سنين توهب لكل من هب ودب, وهذه سمة يبدو أنها أصبحت ظاهــرة تأريخيــة لدينا ...
- لقد أعربت الجهة الدينية (الفلانية) عن استعدادها لدعم نشاطات ومعارض الفنانين ماديا ومعنويا, وقد رحبت بذلك العرض الكريم وأعربت نيابة عنكم عن ترحيبنا بكل ما من شأنه خدمة العقيدة والدين والمذهب وطلبت ترشيح أحد
( الكهنة ) ليكون ممثلا دائما لهم في لجنة تقييم الأعمال المشاركة في كافة المعارض التي تقيمها النقابة لكي يحرص على أن تكون الأعمال المشاركة متفقة مع أحكام الشريعة ويستبعد كل عمل مخالف..وتماشيا مع تقليدنا الدينية ومبادئنا التقليدية سوف تكون لنا تكية تسمى تكية الفنانين ويكون لنا موكب عزاء خاص في المناسبات يسمى عزاء الفنانين كما هو حال عزاء (النعلجية ) و (القندرجية ) و(.....) ..
واسترسل في تقديم الأسباب العقائدية والمبررات الميتافيزيقية وكأنه يلعب دورًا لولي من الأولياء في مسلسل رمضاني أو مبشر في مجاهل أفريقيا أو رجل دين يحاول إقناع مستمعيه بفكرة لا يؤمن بها هو ليستجدي عبرها تعاطف دموعهم وعطف جيوبهم ...
نظرت إلى الوجوه من حولي فكانت بين صامت واجم وبين من بدت عليه خيبة الأمل وبين مبتسم مرحب بغباء بهذا الظفر العقائدي وبين غير مرحب لكن باستحياء..
كسرت هذا الصمت بقولي :-
وهل تقترح يا أخانا (الفنان) أن نحول اللوحات إلى طبول ندق عليها بالفراشي ونحول سكاكين الرسم إلى سيوف نضرب بها هاماتنا؟ , وهل توصي بأن ترافق المواكب موسيقى حلاق أشبيلية أم كناس الحضرة ؟وهل تريدنا أن نخرج عراة وقد لطخنا وجوهنا وأجسادنا بالألوان مثل الهنود الحمر والأقوام البدائية (رضي الله عنهم)؟ وأي الألوان تنسجم مع الشريعة وأيها تخالفها؟ وما حكم من يتخلف عن هذه الطقوس أهو الجلد أم قطع اليد أم..؟
وهل ورد في الشريعة ذكر لمدرسة فنية ناجية والسبعون الأُخر في النار...؟
وهل تقترح علينا سماحتكم أن نزين تكيتنا المعظمة بفوانيس أم برؤوس جواد سليم وفائق حسن وخالد الرحال وحافظ الدروبي وإسماعيل فتاح وليلى العطار وسلفادور دالي وبيكاسو ودافنشي ومايكل أنجلوووو....................................؟
وعم اللغط والفوضى وانفض الاجتماع ,لكن استمر أصحاب هذا التوجه الشاذ بالعمل تحت لواء هذه الجهة أو تلك وتحت هذه العمامة أو تلك الجبُة يصنعون السراب لغيرهم ويستأثرون هم بالأموال المسروقة من قوت الشعب رامين للآخرين الفتات الممزوج بالذل والمهانة من بقايا موائد أسيادهم اللصوص الكبار( أدام الله ظلهم فقط ) فنحن بحاجة لكل ظل في صيف الظلم الدائم في العـــراق ...
من المؤسف أن نرى من يفترض أن يكون لبنة في بناء الثقافة والفن في بلادنا ,يتحول إلى متطفل مع المتطفلين على الموائد الحرام ,وإلى بوق مبحوح يلوث الأسماع والأذواق ...ليغدق عليهم اللانظام مناصبا لا يستحقونها فيترأسون جمعية هنا ويحملون الدكتوراه هناك في جامعاتنا الفنية المغفور لها .. ويا لها من مفارقة سوداء أن يشغل هؤلاء (...) مناصب وأماكن عمالقة الرعيل المتقدم من الفنانين الذين أسسوا بالدم والدموع صرحا للفن العراقي خارجين من ركام القرون المظلمة استعباداً وتخلفاً وهدراً للكرامة الوطنية ... ليأتي هؤلاء اللا أسميهم ويهدموا كل تلك المنجزات العظيمة ويحيلوها إلى دكاكين للتكسب والتملق والدعارة ...
فهل هذا إيذان بسقوط مغولي جديد للثقافة والفن في العراق بعد السقوط السياسي المدوي وقيام دويلات الطوائف والأعراق ...
لا أدري لماذا لا يكون للفنان والمثقف موقف الصامت المحتج على وضع منحرف عندما يعدم وسيلة المجابهة وعندما يكون الصمت متاحاً...
فهل أصبحنا نحتاج إلى الشجاعة حتى لنصمت ونكون شياطين خرس ؟ أم أن عهد أصحاب النفوس العزيزة قد ولى ونحن نعيش عهد أصحاب النفوس الضعيفة التي تسبِّح بحمد أصنامها وهي ترقص على جراح وأشلاء العراقيين المنتشرة على طول العراق وعرضه , وكرامتهم المهدورة من المحيط إلى الخليج ...............؟
ألا إن فعل الورق الأخضر لعظيم , يحول المثقف إلى واعظ في بلاط السلاطين نهارا ,وقواداً في مواخير السياسيين ليلاً ...
ويا للعــار... !!!

هناك تعليق واحد:

  1. عاشت ايدك اول من تضرر بالزمن الاغبر همه الفنانين والمثقفين تحية من البرجوازي العراقي

    http://birjwazi.blogspot.com/

    ردحذف