الأحد، 25 يناير 2009

ثقافة بين سيفين


إن المتتبع للمشهد الثقافي العراقي يقع في حيرة مشروعة بين من يرفعون شعارات الثقافة الحرة ممن قرروا الخوض في مجاهل السياسة وتركوا لأمواجها أن تتقاذف مصائرهم بعد أن وقعوا عن سابق إصرار تنازلاَ عن حرية القلم واللسان والفكر وألقوا جانباَ أعباء وهموم الثقافة العراقية وطموحات وطن طالما تطلع نحو الشمس حتى كاد نور عيونه أن يذهب ألماَ وبكاءاَ مراَ , دون تردد وبقلب ميت يشبه قلوب الساسة الذين تعهدوا أن لا تحس ولا تخفق لمآسي الإنسان والوطن العراقي الذي تمتد جراحه كخطوط عرض وطول من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب ,وبين أدعياء الثقافة ممن شاء القدر الظالم أن تستهويهم ميادينها لتكون مسارح لهوهم ومجونهم ليتسلطوا على رقاب المفكرين والكتاب والشعراء والفنانين وينفسوا عن عقد متأصلة في ذاتهم المريضة مستندين على أناس محسوبين على الوسط الثقافي والفني ليكونوا الطعم والسكين الذي ينحر سنين من البناء والمعاناة والجهد الوطني الشريف البعيد عن طلب المكاسب والمناصب , في أكبر مجزرة ترتكب بحق الفكر الإنساني الأصيل والمستمرة منذ سنين وبأدوات وأشكال متعددة ... لكن ومع كل ذلك ورغم كل ذلك نقول : إن الثقافة العراقية إكتسبت عبر تأريخها الممتد شرايين متدفقة في جسد الحضارة الإنسانية , قدرة على إنتقاء الفكر المبدع واحتضانه ورمي كل طفيلي طارئ الى مكبات لفت أمثلهم عبر العصور ...وإن من يركض وراء السراب آيل الى إستنزاف آخر قطرة من حبر كرامته , وأن من يغريه بريق خيوط عنكبوت التبعية سيقع عاجلاَ أم آجلا في فخ إبتلع الكثيرين قبله ولم يترك منهم حتى العظام , وأن من يهوى التطبيل والتزمير لعهر السياسة ستتقطع أصابعه بشفرات عياريها وتتساقط أسنانه إن لم يكن من لكمة ضلت طريقها فمن الشيخوخة المبكرة والسريعة التي تصيب حصراَ من يعمل في مجالات (تثقفية) كهذه ...ويبقى صاحب الفنار ساهراً على مشعله حاملاً أعباء الماضي والحاضر والمستقبل يرشد الساعين الى الحقيقة بكل نكران ذات ودون كلل مثل رواد التأريخ الأوائل الذين حملوا لواء المجد الأول وتذوقوا لذة الخلود وجمر الساهرين ... وأخيراً يجب أن ننبه الى حقيقة أن القلم عندما يترك صاحبه إنما هو كما الشرف إن فقد لا يعود أبداًَ .....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق